دخلت الأستاذة إلى القاعة متأخرة دقيقتين أو ثلاث نظرت إلي وسألتني
- كم الساعة؟
- أجبتها الساعة الآن 3:30
- فقالت كم الساعة بالضبط؟
- قلت بالضبط .. 3:33
فمضت في شأنها من إعداد للأوراق وتسجيل للحضور وما إلى ذلك ..
ثم بدأت المحاضرة بسؤالها: ما هي الفلسفة؟
سكت الجميع هنيهة، عندها ملت إلى صاحبي الذي بجانبي وهمست له همسة
انتبهت هي إلى حركتي وهمسي فقالت لي ماذا لديك؟
- قلت ربما لن يسرك ما قلت!
- لا عليك هات ما عندك فهنا نطرح الأفكار والآراء باختلافها
- ما قلته هو "الفلسفة هي كلام كثير بلا فائدة!"
- أو تضن ذلك؟
- نعم، هذا ما أعتقده!
استمرت في استقبال أجوبة بقيت الطلاب
- ثم عادت إلي تسألني، سألتك عن الساعة قبل قليل فكم الساعة الآن؟
- قلت 3:46
- بالضبط؟
- نعم بالضبط
التفتت إلى زميلي الذي يجلس بجانبي وسألته هو الآخر
- كم الساعة عندك ؟
- قال الساعة عندي 3:45 بالضبط
سألتني، كيف تعرف إن كان الوقت لديك صحيحاً أم لا؟
- أجبت أنا أثق بساعة هاتفي
- ولماذا؟
- لأنها تقوم بالمزامنة تلقائيا مع ساعة شركة الاتصالات
- هكذا إذاً .. إذاً أنت من الذين يثقون بما يقوله الآخرون لمجرد أنهم قالوه
- اعترضت قائلاً: هذا ليس صحيح!
- استمرت في حديثها ولماذا تعتقد أن ساعة شركة الاتصالات صحيحة ؟
- قلت لأنها مرتبطة تلقائياً بتوقيت الدولة والمتصل بدوره بتوقيت غرينيتش العالمي!
- استمرت في الأسئلة بنظرة خبث .. وما يدريك إن كانت ساعة غرينيتش صحيحة أم لا؟
عند هذا الحد طفح الكيل وعرفت أنها ترمي لشيء ما وأن هذه الأسئلة ستبقى تمتد إلى ما لا نهاية، تماماً كما كنا نفعل في الصغر!
قلت لها .. يا .. (بنت الناس!) الحقيقة أنا لا يهمني إن كانت ساعة شركة الاتصالات أو حتى غرينيتش تعتبر صحيحة أم لا .. كل ما يهمني هو اتفاقنا على صحتها واصطلح أمرنا على ذلك، فكلنا نجتمع لهذه المحاضرة الساعة 3:30 بتوقيت شركة الاتصالات! فأنا لا أعرف الساعة لذاتها ولكن لما يترتب عليها من مصلحة بتنظيم للوقت.
عند ذلك توقفت على مضض وهي تبتسم ابتسامة باهتة مصطنعة.
لكنها لم تتوقف عند ذلك مع بقية الطلاب واستمرت في الاستماع إلى أجوبة الطلاب الذين ذهبوا إلى أبعد مما يمكن أن يتصوره أحد في تفسير أن الوقت صحيح! فبعضهم ذهب في حديثه إلى حركة الأرض والكواكب السيارة! وآخر تحدث عن أقدم الساعات الرملية والمائية! إلى أن انتهت بهم جميعاً إلى جهلهم بصحة الوقت! ببساطة لعدم إمكانية إثبات صحته!
كان هذا هو أسلوبها ومنهجها دائماً، التشكيك وإزالة اليقين إلى أن تصل بذلك في أغلب الأحيان إلى المساس بالأمور العقدية
استلمت الكلمة بعد ذلك وبدأت في ترسيخ "حقيقة" الجهل في نفوسهم وأنه لا يوجد شيء نجزم بصحته وتضرب الوقت كأبسط الأمثلة لذلك. ثم أتت لتعرف الفلسفة كباب للخروج من دوامة الجهل تلك عبر التفكير في المثل العليا والكثير من الفلسفة التي لا تفيد ولا تغني من جوع.
عند ذلك التفتت إلي أثناء حديثها قائلة "... بينما هناك بعض الأشخاص ممن يعتقدون أن الفلسفة هي مجرد كلام كثير من دون معنى!"
- التزمت أنا الصمت
- نظرت إلي واستنطقتني، لماذا تعتقد أن الفلسفة هي مجرد كلام كثير من دون معنى! يا أستاذ أحمد؟
- سألتها كم الساعة!؟
-قالت 4:12
- أبسط مثال لأؤكد لك كلامي هو نقاشنا لأكثر من نصف ساعة في "هل الوقت صحيح أم لا!؟" بينما نحن كلنا متفقين - بحكم الواقع - على أنه صحيح! من وجهة نظري المتواضعة لا أرى أية فائدة من الكلام الكثير (الفلسفة!) الذي دار خلال نصف الساعة الماضية!
لم تضف كلمة واحدة ناظرة إلي بنفس الابتسامة الباهتة المصطنعة كأنما تود أن تقول سنرى في المرة القادمة!